كوابيس وهذيان وأحلام "مُفطرة" في نهار رمضان
الشيخ ابن باديس منع النوم في المساجد حتى تبقى منارة دين وعلم
كل المحاولات التي قام بها الكثير من الأئمة، ومن عامة الناس، من أجل تفادي ظاهرة النوم في المساجد، خاصة في الفترة الفاصلة بين صلاتي الظهر والعصر باءت بالفشل، بل إنها استفحلت عندما تزامن شهر رمضان مع فصل الحر، وزادها انتشارا، تزوّد غالبية المساجد بالمكيّفات لتتحول إلى أمر واقع.
تشهد ظاهرة النوم في المساجد انتشارا متزايدا في المساجد، ومنها مساجد الشرق الجزائري، نذكر منها مسجد الفرقان في حي 20 أوت والاستقلال في وسط مدينة قسنطينة، فما إن يسلّم إمام الجامع بعد صلاة الظهر، حتى يختار مصلون بعض الزوايا الهادئة قرب المكيّف ليدخلون في قيلولة، بما تحمله هاته القيلولة من إفقاد صاحبها لوعيه وإدخاله في اللاشعور، فيهز بعض قارئي القرآن المنزوين في أركان الجامع بشخيره، ومنهم من يدخل في مهاترات قد يستعمل فيها كلاما سوقيا وهو لا يدري.
أحلام وردية.. كوابيس وكلام مفسد للصيام
أما عن الأحلام الوردية غير الرمضانية، وحتى كوابيسها، فتلك حكاية أخرى، تجعل من بيوت الله "فنادق خمسة نجوم" تقدم الراحة والنوم العميق من دون أن يدفع صاحبها أي دينار ماديا، ولكنه يفقد القناطير من الأجر الذي من المفروض أن يجمعه خلال شهر رمضان، أئمة اعترفوا بصعوبة وربما استحالة معالجة الوضع، ففي الأيام الحارة كما كان الشأن، أمس الخميس، حيث لم تنزل درجة الحرارة عن الأربعين مئوية في غالبية المدن والقرى، يكون من الصعب إجبار المصلين على مغادرة الجامع إلى بيوتهم في عز الضحى، خوفا من ضربات الشمس القاتلة.
المساجد.. مأوى لمن لا مأوى له
ويجد القائمون على الجامع أنفسهم متقبلين للوضع، وربما مشاركين فيه من خلال نوم بعض عمال الجامع، كما يصعب الحديث مع من تجاوزوا الثمانين من العمر وغالبيتهم من مؤسسي هاته المساجد، وقد تعودوا على القيلولة صيفا وشتاء، وينام أيضا بعض المرضى والأطفال الصغار وخاصة عابري السبيل، بينما لا يحدث الأمر نفسه في مصليات النساء التي لا تفتح سوى في صلاة العشاء لأجل صلاة التراويح.
ابن باديس حارب النوم في المساجد بإلقاء ثمانية دروس يوميا
قرأنا نصيحة وردت في كتاب ابن باديس "حياته وآثاره" الذي جمعه الدكتور عمار طالبي، لعموم المسلمين من الجزائريين، بأن يتفادوا النوم في المساجد، حتى لا تكون مثل بعض الزوايا، وتكون منارات للعلم والمعرفة، وهو ما جعل الشيخ ابن باديس يقدم في بعض الأحيان ثمانية دروس في اليوم لكل الفئات في قلب المساجد، فلا يترك لهم فرصة لاستعمال المساجد التي كانت منتشرة بقسنطينة مثل سيدي قموش والجامع الكبير وجامع الأخضر والباي، للنوم، من رجل لم يكن ينام في اليوم أكثر من ساعتين، حيث كشف للشروق اليومي المؤرخ عبد العزيز فيلالي عن طريقة خاصة وفريدة من نوعها، كان ينام بها الشيخ عبد الحميد بن باديس، حتى في الشتاء المُثلج في بيته الكائن بحي القصبة بقسنطينة، مستعملا غطاء قصيرا، يكشف إمّا وجهه أو قدميه، ويصرّ على أن لا يغطي جسمه كاملا، حتى لا يغط في نوم عميق، فكان يصحو بين الحين والآخر، بسبب البرد، وهي فرصته للانتقال إلى جامع الأخضر لمباشرة التدريس، وهي طريقة أفقدت الشيخ ابن باديس الراحة لتقديم الدروس.
قلة النوم من أسباب وفاة ابن باديس
قال بشأنه المؤرخ الدكتور عبد العزيز فيلالي، بأن ساعات دروسه تتراوح ما بين 10 ساعات في أيام الشتاء القصيرة، و15 ساعة في أيام الصيف الطويلة، مازال شقيق الشيخ ابن باديس، يساير الاحتمال الذي يقول بأن السبب العضوي الأول لوفاة الشيخ ابن باديس مبكرا، عن عمر لم يزد عن الخمسين هو الإجهاد، الذي نال منه بسبب اعتكافه على التدريس من دون أدنى راحة طوال أيام الأسبوع، وإذا كان الشيخ ابن باديس قد حرم نفسه من النوم في بيته بين أهله، من أجل التدريس في الجامع، فكيف لتلامذته والمصلين أن يناموا في الجوامع، والأمور تغيّرت الآن، وصار النوم يحدث في عز خطبة الجمعة أحيانا.
توقيت الصلوات قلص من عدد النائمين في مساجد الجنوب
تتفشى ظاهرة النوم في المساجد بولايات الجنوب الثلاث الكبيرة تمنراست وايليزي والوادي، خلال الشهر الفضيل، بشكل أقل حدة من باقي جهات الوطن لأسباب متعلقة أساسا بمواقيت الصلاة في هذه المنطقة.
إذ إن مساجد ولايات تعرف إقبالا كبيرا من المصلين خلال شهر رمضان، لكن هذا الإقبال يتناقص في صلاة الظهر بشكل خاص، أين يخلد أغلب السكان للنوم، وغالبا ما تطبق مساجد الجنوب القاعدة الفقهية المعروفة بـ"الإبراد"، أي تقريب وقت صلاة الظهر لصلاة العص ر، إذ أن أذان الظهر في أغلب دور العبادة مابين الساعة الثانية والنصف وحتى الثالثة والنصف، لذا يكون أغلب المصلين قد أخذوا قيلولتهم في بيوتهم، لهذا فعدد النائمين في المساجد قليل، وغالبا ما يكونون من الأطفال أو المختلين عقليا، ما ألفوا البقاء في المساجد في ساعات الظهيرة حتى من غير شهر رمضان.
الأمام كمال بعزيز: النائمون في المساجد يدفعوننا لنكون عدوانيّين..
تأسّف أمام مسجد بالكاليتوس، كمال بعزيز، من تكرار ظاهرة قضاء كثير من الجزائريين نهار رمضان نائمين في المساجد، حيث لم تفلح جميع محاولات الأئمة في ثنيهم عن هذا السّلوك، حيث يقول لـ"الشروق" إن "المواطنين النائمين في المساجد أصبحوا يدفعوننا للتشاجر معهم، ليقال لاحقا إن الأمام أصبح عنيفا"، والحل يكون حسب محدثنا، "في تنظيم أمسيات قرآنية أو حلقات ذكر نهارا لتجنب النوم، وتلقين القرآن سمعا ونطقا". وحذر الأمام الصائمين الذين يقضون نهار رمضان في النوم إلى غاية أذان الإفطار، قائلا "السؤال المطروح، هل ينال الشخص الذي يقضي نهار رمضان نائما، ثواب صيامه بالكامل أم لا؟".
قيلولة في مساجد تلمسان بسبب السجاد الفاخر والمكيفات
تعرف العديد من المساجد خاصة بمدينة تلمسان الكبرى، وبعض من المصليات المتواجدة داخل المؤسسات العمومية، خلال الشهر الفضيل، توافدا ملفتا للانتباه للعديد من المواطنين في أوقات الظهيرة، أين تتخذ هذه الأماكن المخصصة أصلا للعبادة، أماكن للنوم، غالبا ما "يستنجد" بها أصحاب الأعمال الحرة والتجار والموظفون من أجل قضاء ما يشبه "قيلولة" ليست قصيرة، بل تمتد إلى غاية أذان العصر، حيث يستيقظ "النائمون" على صوت الأذان، فمنهم من يعيد الوضوء والبعض الآخر يتوجه مباشرة إلى إتمام "الصفوف" من أجل تأدية الصلاة!! غير مفرق بين النوم العميق الذي يتطلب إعادة الوضوء، وبين النوم الخفيف، غير آبه إن كانت صلاته باطلة، بقدر ما يكون قد أخذ قسطا من الراحة داخل المسجد أو المصلى، هذه الظاهرة التي تعود كلما حلّ شهر الصيام، أرجعها بعض الوافدين إلى بيوت الله، لما أصبحت توفره فضاءات العبادة من ظروف الرفاهية، مثل المكيفات الهوائية، السجاد ذي الجودة الرفيعة، بالإضافة إلى الهدوء، الذي يبقى يشكل أهم عامل يدفع بالموطنين إلى البقاء في المسجد.
المصدر
0 blogger-facebook:
إرسال تعليق